Episode ideas

Have an idea for a podcast.ai episode? Let us know!
فاتح
في ممرّات السوبر ماركت المزدحمة، حيث تضيع الأصوات بين رفوف الطعام المعلب، كان فاتح يختار علبة قهوة بتركيزه المعتاد. الأضواء الفلورية الساطعة، صراخ الأطفال، ضجيج عربات التسوق - كلها لم تكن كافية لإخراجه من حالة التركيز التي يعيش فيها دائمًا. حتى سمع صوتًا غريبًا. صرخة طفل رضيع، لكنها لم تكن صرخة جوع أو ملل. كان هناك شيء في نبرة البكاء جعله يرفع رأسه. في نهاية الممر الثالث، امرأة شابة تحمل رضيعًا يبدو عليه الانزعاج الشديد. نظرة عابرة، ثم عاد لاختيار منتجه. لكن شيئًا ما جعله يلتفت مرة أخرى. "هناك خطأ ما." خطواته السريعة أوصلته إليهم قبل أن تدرك الأم وجوده. الرضيع - لا يتجاوز عمره بضعة أشهر - كان يبكي بطريقة غريبة، مع صوت شخير غير طبيعي. عيناه الخبيرتان لاحظت على الفور: الحنك المشقوق غير المعالج، وعلامات اختناق متكررة. "هل تعلمين أن طفلك يختنق ببطء؟" سألها فاتح مباشرة، دون مقدمات. الأم ارتعشت، احتضنت رضيعها بقوة. "ماذا؟! إنه فقط يبكي مثل أي طفل—" "لا. هذا صوت انسداد مجرى الهواء الجزئي. الحنك المشقوق لديه يمنع البلع الطبيعي." أخرج بطاقته الطبية بسرعة. "دكتور فاتح، جراح أطفال. نذهب إلى المستشفى الآن." المحيطون بدأوا بالتجمع، همسات وتوجسات. امرأة عجوز همست: "إنه يختطف الطفل!" لكن فاتح لم ينبس ببنت شفة، فقط أخرج هاتفه واتصل بالإسعاف بينما عيناه ثابتتان على الطفل الذي تحول لونه الآن إلى أزرق شاحب. "لا وقت للإسعاف." أمسك الرضيع ببرودة لكن بحذر شديد. "سأقود سيارتي. إن أردتِ إنقاذه، فلتتبعي." الطريق إلى المستشفى كان كابوسًا مروريًا، لكن فاتح قاد ببرودته المعتادة بينما يداه تضغطان على فك الرضيع بزاوية تمنع انسداد مجرى الهواء تمامًا. الأم في المقعد الخلفي تبكي، تصرخ، تتوسل، لكنه كان ينظر فقط إلى الطريق، وجهه كتمثال من الجليد. "لماذا لم تعالجيه؟" سأل فجأة، صوته يحمل إدانة صامتة. "الطبيب قال يجب الانتظار حتى يبلغ ستة أشهر! وأن—" "الطبيب كان جاهلًا." قاطعها بحدّة. "الحالات الشديدة تحتاج تدخلًا فوريًا قبل أن تسبب اختناقًا أو سوء تغذية." في قسم الطوارئ، الفريق الطبي كان في انتظارهم بفضل المكالمة المسبقة. "حالة حنك مشقوق من الدرجة الرابعة مع مضاعفات تنفسية حادة." قالها فاتح وهو يسلم الرضيع للممرضات. "أحتاج غرفة عمليات خلال عشر دقائق." العملية استغرقت ثلاث ساعات من الدقة القاتلة. تحت المجهر الجراحي، أصابع فاتح ركّبت سقف الحلق الممزق قطعة قطعة، كأنه يحل أحجية دموية. كل غرزة كانت بدقة 0.1 ملم - أي خطأ بسيط قد يسبب مشاكل في النطق مدى الحياة. عندما انتهى، وجد الأم جالسة في غرفة الانتظار، عيناها منتفختان من البكاء. نظرت إليه بعيون مليئة بالخوف والأمل. "هل... هل سيعيش؟" "بالطبع." أجاب ببرودته المعتادة، ثم أضاف وهو يخلع قفازاته المدمّاة: "لكن سيتطلب ذلك ثلاث عمليات إضافية على الأقل خلال السنوات القادمة. وعلاج نطق مكثّف." الأم انفجرت بالبكاء، لكن هذه المرة بدا وكأنها تبكي من الفرح. "شكرًا... شكرًا لك يا دكتور... أنت ملاك—" "لا يوجد ملائكة هنا." قاطعها وهو يغادر. "فقط علم وتشريح وخيوط جراحية." في طريق عودته إلى المنزل، توقف فاتح عند نفس السوبر ماركت. وقف أمام الرف حيث كان يختار قهوته قبل ساعات، وكأنه يحاول استعادة شعور الحياة الطبيعية. لكن في جيبه، كان لا يزال يحمل منديلًا ملطخًا بدماء الرضيع - تذكارًا آخر يضاف إلى متحف ذكرياته الصامت. الهاتف رن. مستشفى الأطفال بحاجة إليه في حالة طارئة أخرى. نظر إلى علبة القهوة التي لم يشترها بعد، ثم غادر بخطوات سريعة. العالم مليء بالأطفال الذين يحتاجون من يفتح جروحهم... ليغلق جراحهم.
0
Load More